في بلاد بعيدة تسمى رنم كان يعيش شاب جميل تعجب به كل الفتيات حين رؤيته و تسحر بجماله الفاتن و كانت كل الفتيات يرغبن الزواج منه فكلهن متعلقات به ما إن يجلس في مكان حتى يتحومن حوله لم يكن يحب إحداهن بل كان فقط يكذب عليهن ففي كل فترة يصاحب إحداهن و يعدها بالزواج و يوهمها بأنه يحبها لكن سرعان ما يتركها و يذهب لأخرى و ذات مرة و هو يتجول في أزقة البلاد رأى فتاة لم يسبق له رؤيتها لم تكن جميلة بل كانت ذميمة الخلقة عجب الشاب لحالها فلم تكن من بين الفتيات التي تتحوم حوله و تستأنس لقربه ظن الشاب أنها لم تره من قبل فمر قربها محاولاً لفت انتباهها فلم تعره اهتماماً و كأنها لم تره تعجب الشاب و حار لأمرها فتبعها ليعرف مكان مسكنها دخلت منزلها و عاد الشاب و هو يتساءل ما بال هذه الفتاة لا تهتم به كباقي الفتيات؟ عاد إلى بيته و أصبح في كل يوم ينتظر أن تخرج من منزلها فيحاول أن يلفت نظرها بجماله لكن بدون جدوى فالفتاة لا تكترث له أصبح الشاب معجباً بشخصيتها فترك كل الفتيات الأخريات و صار مهتماً بها إلى أن تعلق قلبه بها و صار مولعاً بحبها حاول أن يكلمها أكثر من مرة لكن لم يستطع فقد كان خائفاً من ردة فعلها فكر في حيلة تجعله يكلمها حمل أوراقاً في يده و اتجه نحوها و هي قادمة و عندما اقترب منها طأطأ رأسه و صدم يده بكتفها فأسقط الأوراق أرضاً فبدا الأمر كأنه صدفة فقالت الفتاة:
ـ آسفة لم أنتبه
و انحنت لتجمع الأوراق نظر إليها و قال:
ـ لا عليك سأجمعها
و بعد أن جمعوا الأوراق معاً مد يده لمصافحتها قائلاً:
ـ عدنان
فقالت الفتاة:
هند
و صافحته فأحس أن قلبه رفرف بعيداً عن جسده و أن يدها الناعمة أحيت إحساساً كان قد مات منذ سنين و هو الحب حبٌ أنساه غروره فقال:
ـ سررت بمعرفتك
فردت قائلة:
ـ و أنا أيضاً
فترك يدها و ذهب و هو ما زال يحس بدفء كفها على كفه و يستدير لرؤيتها بعد كل خطوة كأنه لا يشبع من ذلك فدخل بيته و هو في أسعد أيامه و أحس أنه أول حب صادق في حياته و أنها أول فتاة تعلق قلبه بها فقرر الشاب أن يبوح لها بحبه كان الأمر صعباً لأن هذه المرة الكلام صادق و نابع من أعماقه ليس كسابق المرات التي كان يكذب فيها على الفتيات فقد كان الأمر سهلاً جداً لأنه كان مجرد كلام لسان يزف الفرحة في قلب الفتيات لكن هذه المرة زفت الفرحة في قلبه و استعصى الكلام على لسانه أصابه حبها بالأرق فبات يفكر من أين سيبدأ كلامه؟ و هل سيسمح وجودها أمامه للسانه بالنطق؟ بينما هو يفكر فاجئه ضوء أطل من نافذة بيته إنها الشمس تعلن بداية صباح يوم جديد بإشراقها الذي أزعج أعين الشاب بأشعتها كما أزعجت أفكاره بإعلانها اقتراب موعد وقوفه أمام الفتاة فقد كان الوقوف أمام قاضي محكمة أهون عنده من الوقوف أمامها ذهب إلى منزلها انتظر خروجها صافحها وسأل عن حالها و كيف كان نومها كان الكلام روتينياً و كان كمقبلات لطبق حار و بعد المقبلات قال الشاب أريد أن أكلمك في موضوع خاص أ ترافقينني إلى مكان هادئ؟ فوافقت الفتاة فأخذها الشاب إلى مكان بعيد عن صخب المدينة بدأ في الأول يلف و يدور حتى استقر به الحال إلى أن نطقها إنها الجملة التي ثقلت على لسانه نطقها أخيراً قال لها أنه يحبها و يريد الزواج منها فقامت الفتاة دون إجابة و ذهبت تاركة إياه دمعت أعين الشاب و عاد لمنزله و هو يبكي بكاءاً شديداً و قد ندم كثيراً و تمنى لو أن الزمان يعود لتعود الفتاة صديقته حتى إن رفضت أن تكون زوجته فالمهم عنده هو أن يراها و يكلمها كل يوم لكن على عكس ما اعتقد الشاب فالفتاة كانت تحبه لكنها كانت خائفة من أن يكون كاذباً فيخدعها كما فعل مع كل فتيات بلاد رنم حاولت الفتاة إقناع نفسها أنه صادق لكن يخالجها شعور بأن الثعلب مخادع لا يتوب و لا يقلع عن مكره فهي لا تصدق أن شاباً جميلاً وسيماً ترك كل الفتيات الجميلات ليقع في حب فتاة ذميمة الخلقة مثلها و التي لم يسبق لشاب أن أحبها خيمت الحيرة على الفتاة بينما خيم الألم و الحزن على الشاب وفي اليوم التالي عاد الشاب ليقابل الفتاة و ليخبرها أنه لا يتصور العيش دونها و لا يجد حلاوة الدنيا و إن تزوج مئة فتاة غيرها فليس هناك من تداوي جرح فراقها و تنسيه ألم فقدانها لكن الفتاة ما زالت غير مقتنعة بكلامه و تخشى غدره إن وافقت فقررت أن تختبره فقالت له أنها لا تحبه كانت كلمتها كصخرة سقطت عليه من السماء و أحس كأن تفاحة في حنجرته لا تبلع و بدت الدموع في عينيه كحبات لؤلؤ صغيرة و عاد إلى بيته يائساً محبطاً و عادت الفتاة منتظرة عودته في اليوم الموالي فذلك كان اختبارها هو أن يعود إن كان يحبها فعلاً فقالت لنفسها أن صدق حبه في إلحاحه و في عودته غداً أما إن كان يحاول خداعها فلن يعود و في الصباح استيقظت أطلت من نافذتها لم تجده كانت تنتظر قدومه بشوق و تأمل أن يكون صادقاً لكن مر اليوم الأول و لم يأتي ثم الثاني و الثالث حتى بدأت الفتاة تقتنع أنه مخادع كذاب كان يلعب بأحاسيسها و بينما هي مارة ذات مرة قرب بيته المفتوح بابه ناداها شاب وقال لها:
ـ أ أنت هند؟
قالت:
ـ نعم
فأعطاها رسالة و قال أنها من عدنان فسألته عنه فدمعت عيناه و قال أنه توفي بعد أن ألقى بنفسه من سطح المنزل قبل ثلاثة أيام تأثرت الفتاة لكنها لم تبكي عليه لأنها لا زالت تكرهه لخداعه لها و مكره بها فتحت الرسالة:
كنت أول فتاة أحببتها من كل قلبي و أنستني كل الفتيات الأخريات كنت سعيداً و أنا بين الفتيات لكني أكثر سعادة و أنا قربك آسف لإزعاجك بحبي فعلى ما يبدو فلا رغبة لك بي و لكي لا أزعجك أكثر قررت الانتحار لأني إن عشت يوماً أخر فسأعود لإزعاجك فأنا لم أعد أستلذ العيش دونك
عدنان
و بعد أن قرأت الفتاة الرسالة ألقتها في الأرض و انطلقت راكضة نحو باب منزل عدنان والدموع تملأ عينيها صعدت الدرج مسرعة لتقف فوق جدار السطح فأغمضت عيناها قائلة لا ينبغي لفتاة مثلي أن تنعم بحياة ثم ألقت بنفسها من عليه.