صورة للمسجد النبوي اثناء الصلاة |
إن من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم هو حديثه عن الغيب المستقبلي والذي ثبتت صحته فيما بعد بدون أي خطأ فلو تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن نبأ ولم يتحقق كما أخبر به لكان هذا دليلاً على كذبه لكن الواقع أن كل ما كان يتنبأ به كان يحدث.
إن عدداً كبيراً من أذكياء الناس ومن العباقرة، قد جرؤوا على أن يتنبئوا عن أنفسهم أو عن غيرهم. ولكننا نعرف أن الزمان لم يصدق هذه النبوءات مطلقاً، بل جاء يكذبها بكل قسوة، ولقد تحفز الفرص المواتية والأحوال المساعدة والكفاءات العالية وكثرة الأعوان والأنصار، والنجاح الخارق في البداية الكثيرين- وهم يرون أنهم يسيرون تجاه نتائج مرضية- أن يتنبئوا بنتيجة معينة بكل يقين، ولكن الزمن يبطل هذه الدعاوي ويكذبها دائما..والزمن نفسه هو الذي أثبت صحة ما جاء في القرآن من التنبؤات في حين أنها جميعا جاءت في أحوال غير مواتية، إن هذه التنبؤات- وقد وقعت فعلا على ما يحدثنا التاريخ- تجعل علومنا المادية حائرة عند تفسيرها.وما دمنا ندرسها في ضوء علومنا المادية.فلن نستطيع إدراك حقائقها، إلا أن ننسبها إلي مصدر غير بشري. كان نابليون بونابرت من أعظم قواد الجيوش في عصره، وقد دلت فتوحاته الأولي على أنه سوف يكون نداً لقيصر، والإسكندر المقدوني.
لوحة زيتية لنابليون مع جنوده |
وترتب على ذلك أن وجد الغرور منفذه إلى رأس نابليون، فأصبح يتوهم أنه هو مالك القدر. وازداد هذا الشعور لديه. حتى إنه ترك مستشاريه، وادعى أنه لم يكتب في قدره غير الغلبة الكاملة على من في الأرض. ولكنا جميعا نعرف النهاية التي كتبت له في لوح القدر. سار نابليون من باريس يوم 12 من يونية سنة1815، مع جحفله العظيم ليقضي على أعدائه وهم في الطريق. ولم تمض غير ستة أيام حتى ألحق (دوق ولنجتون) شر هزيمة بجيش نابليون الجبار، في (ووترلو) بأراضي بلجيكا. وكان (الدوق) يقود جنود انجلترا وألمانيا وهولندا. ولما يئس نابليون وأيقن من مصيره المحتوم فر هاربا من القيادة الفرنسية متوجها إلي أمريكا ولم يكد يصل إلي الشاطئ، حتى ألقت شرطة السواحل القبض عليه وأرغمته على ركوب سفينة تابعة للبحرية البريطانية، وانتهي به القدر إلي أن أرسل إلي جزيرة غير معمورة بجنوب الأطلنطي، هي جزيرة (سانت هيلينا)، ومات القائد العسكري في هذه الجزيرة بعد سنوات طويلة من البؤس والشقاء والوحدة، في 5 مايو سنة1821.
لوحة زيتية لمعركة وترلوا التي خسر فيها نابليون |
والبيان الشيوعي المعروف الذي صدر سنة1848، تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا)، ولكن ألمانيا على الرغم من مضي مائة وعشرين عاما من هذه النبوءة، لا تزال صفحات تاريخها خالية من مثل هذه الثورة.. ولقد كتب كارل ماركس في مايو سنة1849 قائلا: (إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس!) ورغم أنه قد مر على هذه النبوءة أكثر من قرن، فإن شمس الجمهورية الحمراء البازغة لم تشرق على أهالي باريس! وقد قال أدولف هتلر في خطابه الشهير الذي ألقاه بميونيخ في14 من مارس سنة1931: (إنني سائر في طريقي، واثقا تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كتبا لي (1).
والعالم بأجمعه يعرف اليوم الذي كتب في قدر الجنرال الألماني العظيم كان هو الهزيمة والانتحار
صورة لهتلر وهو يستعرض جنوده |
وسط هذه الجحافل من المتنبئين والنوءات، لا نجد غير (القرآن) الذي أيد الله به نبيه محمد بن عبد الله تحققت نبوءاته حرفاً حرفا.
وهذا الواقع يكفي في ذاته لإثبات أن هذا الكلام صادر من الله سبحانه وتعالى الذي هو على معرفة بكل ما سيحدث منذ الأزل إلى الأبد، وسوف نورد خبراً يتعلق بغلبة الإسلام. عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته وقفت الجزيرة العربية كلها ضده، وكان على النبي مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد:
أولاها: القبائل المشركة، بعد أن أصبحوا أعداء حياته.
وثانيتها: الرأسمالية اليهودية.
وثالثتها: أولئك المنافقون الذين تسربوا داخل المسلمين للقضاء على حركتهم، من داخل معاقلهم.
وكان الرسول يجاهد في سبيل رسالته السامية على كل هذه الجبهات: قوة المشركين، والرأسمالية اليهودية، والطابور الخامس.وقد وقف أمام هذا الطوفان الطاغي وقفات رائعة لا مثيل لها، ولم يسانده في مواقفه غير حفنة من المهاجرين والأنصار، وجماعة من العبيد.ومما لا شك فيه أنه قد انضم إليه بعض كبار قريش، ولكن سرعان ما انقطعوا عن أهلهم وذويهم، وعادتهم قريش كمعاداتها للنبي. وقد سارت هذه الحركة بمكة قدما، تكافح وتناضل، حتى اجتمع شملهم في المدينة المنورة، وهم في أشد حالات العوز والفقر، بعد ما تركوا ثرواتهم في مكة- موطنهم الأصلي.ويمكن قياس بؤس هؤلاء المهاجرين بتلك الجماعة التي عاشت في المسجد النبوي، حيث لم تكن لديهم بيوت، وكانوا ينامون على (صفة) في فناء المسجد النبوي، فأطلق عليهم (أهل الصفة).
ومما روي في كتب التاريخ أن تعداد هؤلاء الصحابة الكرام، الذين عاشوا على (الصفة)، بلغ في بعض الأحيان أربعمائة صحابي. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من هو أسفل من ذلك ؛ فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته..
وعنه (أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: (لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَإِنِّى لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِيًّا عَلَىَّ فَيَجِىءُ الْجَائِى فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِى يُرَى أَنَّ بِىَ الْجُنُونَ وَمَا بِى جُنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ الْجُوعُ) رواه الترمذي.
وفي هذه الحالة البائسة، حيث كان المسلمون في أسوأ أحوالهم ؛ مكشوفين في عراء المدينة المنورة، خائفين يترقبون الأعداء من كل جانب، مخافة أن يختطفون في أي وقت ؛ في هذه الحالة نجد القرآن يبشرهم مرة بعد أخري: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )[المجادلة : 21].
وقال أيضا: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[التوبة : 33].
ولم تمض على هذه البشري أيام طويلة، حتى وجد المسلمون الجزيرة العربية كلها تحت أقدامهم؛ فقد انتصرت أقلية ضئيلة لا تملك الخيول ولا الأسلحة، على أعداء يملكون الجيوش الكبيرة، والعدة، والعتاد. وليس بوسعنا تفسير هذه النبوءة في ضوء المصطلحات المادية، إلا أن نسلم بأن صاحب هذا الإخبار بالغيب لم يأت به من عند نفسه، وإنما كان رسولاً لله ؛ فلو أنه كان إنساناً عادياً لاستحال كل الاستحالة أن تصنع كلماته أقدار التاريخ.