بسم الله الرحمن الرحيم
غزة ألم وأمل
]لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [
قالوا قديماً من المحن تأتي المنح ، و المسلم يعلم تماماً أنه ما من مصيبة وبلية وخطب إلا ويرى فيها العبد من العبر والعظات والفوائد ما لم يكن له أن يتعلمه بدون هذه المصائب .
وفي كثير من الأحيان يرى المسلم في المصائب من القرب من ربه عز وجل ما لا يصل إليه في حال الرخاء واليسر، حتى وجدنا القائل يقول : رأيت من بعض المصائب قرباً تمنيت معه عدم زوالها .
والمسلم يتعلم من الأحداث ،ويأخذ منها الزاد الذي يُعينه على مواصلة طريق العبادة ،والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وقد رأيت في أحداث غزة المتواصلة المتلاحقة المتتابعة ـ منذ قرابة الشهرـ فوائد وفرائد وعبر وعظات، لعل العاقل ينتفع العاقل بها ويعلم ما يدور حوله ويثبت على الحق قلبه.
(1) الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الخليقة ،ونهايته معلومة سلفا ،ومن الخطأ أن يطن أحد أن هذا الصراع له نهاية دون الساعة، والعلم بنتيجة هذا الصراع تمحو أي أثر لليأس والقنوط من النصر والتمكين،]وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) [ سورة الصافات .
ولنا في قصص الأنبياء مع قومهم عبرة وعظة ، وشاهد ودليل على هذا ،]حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) [ سورة يوسف، بالإضافة إلى صفحات التاريخ المطوية، التي يرى فيها الناظر ما يُبشر بظهور أهل الإيمان ونصرهم والتمكين لهم دون غيرهم.
(2) الكفر ملة واحدة ، نعم قد يختلفون فيما بينهم ، ويتهارجون تهارج الحمر ، لكنهم في حالة الإسلام والمسلمين تجتمع كلمتهم، من يهود ونصارى وغيرهم ونراههم يُصرحون وبلا مواربة أو خجل :إن لإسرائيل حق الدفاع عن أرضها ومواطنيها ، ونسوا أو تناسوا أصحاب الأرض أهل فلسطين .
(3) اليهود وأعداء الملة يعلمون مرادهم ويعملون له بدقة ، فهم يعلمون ضعف الأنظمة الإسلامية والعربية واهترائها ، خاصة في هذه الأيام .. فالأنظمة العربية ما يشغلها اليوم هو قضية العروش والكروش لا قضية فلسطين ، بل لا أبالغ إذا ما قلت إن قضية فلسطين بالنسبة لبعض الأنظمة ورقة مساومة، ورقم في معادلة المصالح القومية لكل بلد على حدة، إذ لم تعد عندهم قضية أمة ودين .
(4) اليهود على مر التاريخ لا يقوون إلا بغيرهم ]ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) [ سورة آل عمران.
بريطانيا مكنت لهم ، وفرنسا زودتهم بالمفاعل النووي ، وأمريكا ترعاهم وتحافظ على وجودهم ، وتزودهم بالعتاد اللازم والمال والسلاح .
(5) معارك غزة تبين بوضوح جبن اليهود ، وأنهم لا يقوون على المواجهة إلا من وراء جدر ]لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) [ سورة الحشر.
(6) أنا وأنت نريد نصرا لكننا لا نشارك فيه بحال من الأحوال قال الله : ] يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم [
أخي : هل تخلف وعد الله أم أنك لم تحقق الشرط ؟
أخي : إني سائلك فاجب مع نفسك بصدق .
هل حافظت على صلاة الفجر في جماعة , ثم تخلف النصر ؟
هل حافظت على الصلوات في جماعة , ثم تخلـف النصر ؟
هل فتحت كتاب الله فقرأته وعلمـته , ثم تخلـف النصر ؟
هل تركـت سماع الأغـاني والأفلام , ثم تخلـف النصر ؟
هل قمت في السحر فدعوت الله لإخوانك , ثم تخلف النصر ؟
هل وهل وهل , وغيرها كثير فهل فعلت أم أنك تخاذلـت ؟
أخي: إننا قبل أن نحرر الأقصى لابد أن نحرر نفوسنا و وقلوبنا فالطريق يبدأ من هنا .
(7) الباطل لا يعلو اليوم لقوته ، ولا يعلو لضعف الحق ؛إنما يعلو لضعف أهل الحق وضعف الإيمان في قلوبهم، وإلا فمن الثابت أن الباطل على مر التاريخ ليس له علو في الأرض ؛ وإن كان فهو علو مزيف ، متى ما قوبل بالحق وجابهه الحق زال]بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) [سورة الأنبياء.
( التفاعل الذي يحدث في شوارع المسلمين وبلادهم ـ بعيداً عن الأنطمة الرسمية ـ يعكس مدي تمكن هذه القضية من قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا عجب في هذا فرابطة الأخوة ووحدة الدين والمشاعر والغايات والأهداف تجمع بينهم ، وتجعل كل فرد يشعر بمجموع الأمة ، والأمة تستجيب له . (9) المنظمات الإسلامية العاملة في فلسطين عامة ،وفي غزة خاصة لم يجتمع الناس حولهم من فراغ ؛إنما هو نتيجة العمل الإسلامي الاجتماعي المنظم ، وهو نتيجة غرس غرسه أهل الإيمان منذ زمن بعيد.
(10) أمة الإسلام أمة خُلقت لتحيا وتسود وتقود ،وإذا ما كان هناك خوف فليكن على نفسك لا على أمتك فللدين رب يحميه ،ولا يكونن عبد المطلب أوثق بما عند الله منك.
(11) السكينة التي أنزلها الله تعالى على قلوب إخواننا في غزة احتملت آلاف الأطنان من المتفجرات، التي لو أُلقي نصفها على اليهود لما بقي منهم أحد في فلسطين.
(12) صبر أهل غزة وصمودهم يوضح حقيقة معدنهم، وعراقة أصلهم ،ومدى تمكن الإيمان من قلوبهم ،وبأنهم لا يعيشون لغزة بل يعيشون ليحيوا كل ساعة قضية أرض الرباط.
(13) التربة الإسلامية الصحيحة للمجاهدين هناك ،وربطهم بالكتاب والسنة والعلم النافع ،تؤتي ثمارها في أرض المعارك ،وتبرهن أن هؤلاء رجال قل أن يجود الزمان بمثلهم.
(14) النصر لا يكون بعدد القتلى من هنا ومن هناك، إنما يُقاس بالمكاسب والهداف التي حققتها الحرب ،فغزوة الخندق فشلت فشلاً ذريعاً لأنها لم تُحقق الهدف الذي من أجله خرج أهل الكفر.
(15) القضية ليست قضية فلسطين، إنما هي قضية أمة ،ولو وصلنا إلى هذا الفهم وقُرن بالعمل عادت فلسطين بعد غربتها إلى حظيرة الإسلام والمسلمين .
(16) شعب يصمد مع قيادته حين علم صدق نيتها في الذود عن حياض الدين والأرض والوطن ، وحين بذلت القيادة ما في وسعها من أجل دينها ووطنها .
(17) حاربناهم حروب متعددة باسم العروبة والقومية فكانت الهزائم المنكرة.
(18) ما كنا نشعر بمعاناة أهل غزة فجاءت الحرب لتحرك القلوب والمشاعر والأحاسيس مما يُبرهن على قوة الرابطة الإسلامية.
(19) كادت قضية فلسطين أن تُنسى بفعل المعاهدات واتفاقيات السلام حتى ظن البعض أن هذه القضية قضية أهل فلسطين وحسب، فجاءت الحرب على غزة لتهدم أثر هذه الاتفاقيات .
(20) الأمة التي تضرب على أم رأسها مرات ومرات ثم لا تفيق أمة ميتة ،وأمة الإسلام لا تموت بل الضربات والصدمات تزيدها قوة وصلابة ..
(21) ظهور النفاق ومن باع القضية على صورته الحقيقية بعد أن ارتدى ثوب المناضل كثيرا وهم كُثُر.
(22) حاجة المجاهدين للسلاح في ظل الحصار الخانق مكنتهم من اختراع وإيجاد أسلحة وتطويرها .
(23) إعلام خبيث لا يعمل إلا لهدم كل نصر للمسلمين ... فلا تشغل بالك بالهلكى فمصيرهم المزابل . ، فرائحة مكرهم تزكم الأنوف.
(24) وجوب الرد على المفتريات المثارة بين لحظة حول أرض فلسطين وأنهم باعوا أرضهم لليهود ...إلخ ، وعدم تركها لتستقر في العقول.
(25) ينبغي أن يظهر دور الدعاة والمصلحين ، والوعاظ ، والعلماء ، والقادة ، وأهل الفكر، والسياسة ، والاقتصاد ، وهيئات المجتمع المدني ، وطلبة العلم ، وأهل المال ، والعامة والخاصة ، ليظهر تفاعل الأمة مع قضيتها على أعلى مستوى ، وساعتها لا تسل عن النصر ... ]وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) [ سورة الإسراء ]أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) [سورة البقرة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أبو الحسن براني