روى البخاري أن خنساء بنت خِدام زوَّجها أبوها وهي كارهة ـوكانت ثيِّبًا ـ فأتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فردَّ نكاحها . وفي السننأن جارية بكرًا أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكرت أن أباها زوَّجها وهيكارهة، فخيَّرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعني جعل لها الخيار في إمْضاء هذاالزواج وفي فسخه، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوَّج بنته بغيراستشارتها، فشكت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت : إن أبي زوَّجني من ابنأخيه ليرفع بي خَسيسته . فجعل الأمر إليها، فلمَّا رأت ذلك قالت : أجزت ما صنع أبي،ولكني أردت أن أعلِّم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء .
وروى عبد الرزاق أنامرأة قُتِلَ عنها زوجها يوم أُحُد ولَهَا منه وَلَد، فخطبها عمُّ ولدها ورجل آخر،فزوجها أبوها من هذا الرجل، فشكت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها لا تريده،وتريد عمَّ ولدها؛ لأنه أخذ منها ولدها، فقال لأبيها " أنتِ الذي لا نكاح لك اذهبيفأنكحي عم ولدك " وذكر الحارث في مسنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لرجلزوَّج بنته دون أن يستشيرها " أشيروا على النِّساء في أنفسهن " .
إن استبدادالولِيِّ باختيار الزوج وانفراده بالعَقْدِ هو جِنَايَة عَلَى المرأة واستهانةبعواطفها وإحساساتها . وكان العرب يستشيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام، فجاءالإسلام واحترم رأيها كجزء من تكريمه لها . وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث، منها مارواه مسلم " لا تُنْكَحُ الأيّم حتى تُسْتَأمَر، ولا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حتىتُسْتَأْذَن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال " أن تسكت "، وفي رواية " الثَّيِّب أَحَقُّ بنفسها من ولِيِّها، والبِكر تُسْتَأْمَر وإذنها سكوتها ". الأيّم في اللغة من لا زوج لها، ثيِّبًا كانت أم بِكْرًا، صغيرة أم كبيرة . واختلفالعلماء في المراد بها في هذا الحديث، فالجمهور على أن المراد بها الثَّيِّب، أيالتي سَبَقَ لها زواج، وقال الكوفيون : هي كلُّ امرأةٍ لا زَوْج لَهَا، بِكْرًاكانت أم ثيِّبًا، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا : كل امرأة بلغت فهي أحقُّ بنفسهامن وليِّها، وعقدُها على نفسها النِّكاح صحيح، وقال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد : تتوقَّف صحة النكاح على إجازة الولي .
واختلفوا أيضًا في عبارة " أحق بنفسها منوليِّها " هل هي أحق بالإذن فقط، أم بالإذن والعقد على نفسها ؟ فعند الجمهور : هيأحقُّ بالإذن فقط، وأما الذي يتولَّى العقد فهو وليُّها، وقال الكوفيون : هي أحقبالإذن والعقد، وقول الجمهور أصح لحديث " لا نكاح إلا بولِيِّ " .
وقد تبيّن منالأحاديث وجوب احترام رأي المرأة عند الزواج، ولابد من موافقتها عليه إما بالقوْلمن الثَّيِّب وإما بالسكوت من البِكْر، وقد ردَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـالأمر إلى من زُوَّجت بغير رضاها، إن شاءت أمضت وإن شاءت رَفَضَت .
قال الشافعيوأصحابه : يُسْتَحَبُّ ألا يزوِّج الأب والجد البكْر حتى تبلغ ويستأذنها، لئلايوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها، وهو أدرىبها منها، كما زوَّج أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عائشة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـوهي صغيرة .
وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاوُّن ولي أمرها معها فياختيار زوجها، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجِّه به عاطفة المرأة، وبخاصةإذا كانت نيته الوجهة الصالحة، فالزَّواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معًا، كما يقولبعض الكُتَّاب : إن المرأة في عاطفتها القوية كحامض الكبريتيك المرَكَّز، فيه خطركبير،والولي كالماء المخفف لتركيزه، فيجعله صالحًا لتوليد الكهرباء بين القطبين،وينتفع بهذه القوة انتفاعًا كبيرًا " انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ".